هل تسمية السودان منطقة مناورة لمحاور القارة الأفريقية أم للسيناريو أبعاد أخرى؟
تقرير: عبد القادر جاز
تلاحظ في الآونة الأخيرة اختلاف أسباب اندلاع الحروب عن دوافعها ومزاعم اندلاعها، إن كان ذلك عبر التدخلات بزعم امتلاك الدول المستهدفة أسلحة نووية أو رعايتها للإرهاب، وما يجري بين روسيا وأوكرانيا وصولا إلى الحرب الدائرة بالخرطوم، تساؤلات عديدة، هل يعني ذلك أن أفريقيا هي الوجهة الجديدة للصراع عبر بوابة السودان؟ وهل بالإمكان تسمية السودان منطقة مناورة للمحاور المختلفة كمدخل للقارة الأفريقية أم أن للسيناريو أبعاد أخرى؟ إن كانت المطامع الاستعمارية في السابق تستهدف مقدرات الشعوب الآن التكتيك أصبح مختلفا، كيف لنا أن نصف المخططات الغربية في هذا المنحى؟ فضلا عن غياب الرؤية الاستراتيجية في دراسة وتحليل الشخصية الغربية الطامحة في السيطرة على موارد الشعوب المستضعفة، إلى ماذا تعزي ذلك في ظل تأخر الدول النامية عن استدراك الموقف قبل استفحال الأزمات؟
وجهة الأنماط:أكد البروفيسور أحمد عبد الدائم محمد حسين أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة القاهرة والمحلل السياسي في العلاقات الدولية أن أفريقيا بطبيعة الحالة هي الوجهة الجديدة والقديمة لصراع القوى الكبرى المتزاحمة والمتنافسة على خيراتها منذ القرن الـ19 إلى أن استعمرتها، منوها حينما رحل الاستعمار القديم في النصف الثاني من القرن الـ20 عرفت أفريقيا نمطا جديدا يسمى بالاستعمار الجديد الذي دخلت فيه القارة المستقطبة ما بين المعسكرين (الشرقي والغربي)، وخرجت منه مديونة وتموج بالانقلابات العسكرية والحروب الأهلية والنزاعات، مشيرا إلى أن ابتعاد بعض القوى التقليدية لأسباب تتعلق بتلك الدول، دخلت الصين وأصبحت متربعة على الاقتصاد الأفريقي وينافسها الأمريكان إلى حد ما.التقارب والإبعاد:قال عبد الدائم إن الحرب الروسية الأوكرانية أوجدت مساحات كبيرة لروسيا على حساب فرنسا والغرب في مناطق غرب أفريقيا ووسطها، فضلا عن صراع الشدة ما بين روسيا والصين من جهة، بجانب الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا من الجهة الأخرى للسيطرة على الاقتصاد والقرار الأفريقي، مبينا أنه على هذا الأساس لم يكن السودان بدعة جديدة في هذا التنافس على القارة باعتبار أن الصين وروسيا موجودتان فيه منذ فترة ومع تقارب السودان الأخير مع الغرب وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، مقرا بأن الغرب أصبح موجها لكثير من القرارات والسياسات فضلا عن رعايته للقوى المدنية ومحاولة إبعاد المكون العسكري عن السلطة بشكل قوي وملحوظ خلال فترة الحوار حول الاتفاق الإطاري واشكالياته. التوجه والرغبة:أقر عبد الدائم بأن السودان هو رأس الرمح في منطقة المناورة بالقارة الأفريقية بلا منازع نسبة لثرواته وتشابكاته الإقليمية والعرقية وبحكم علاقاته بالمناطق المجاورة، معتبرا أن السودان يمثل أفريقيا بأبعادها العرقية وتقاطعاتها الثقافية وتجاذباتها، ووصف بأن السودان هويته أفريقية عربية وبه من القبائل ما تنحو الوجه الأفريقية، وأخرى ترغب في الوجه العربية، ولفت إلى أن السودان به من انقسامات ما يغري القوى الكبرى على استغلال هذه المساحات وإدارة الصراع ما بين الأطراف بسهولة ويسر، مستطردا بقوله: إن القوى الدولية والإقليمية تدرك طبيعة الفترة الانتقالية التي يمر بها السودان جيدا، مبينا أنه الكل يريد أن يكون له القول الفصل في رسم مستقبل السودان وإدارته بطريقة تسهل توجيهه في المستقبل نحو الوجهة التي تريدها تلك القوى. التكتيكات والتكالب:
كشف عبد الدائم عن المطامع الاستعمارية التي تستهدف خيرات السودان وأفريقيا في الماضي والحاضر المستقبل من خلال التكتيكات التي تتغير بتغير الزمان والمكان وخلفيات الصراع وطبيعة الأزمات الحالة بكل دولة، المتمثلة باستغلال الديون والتعاظم بحقوق الإنسان وتغذي السياسات العرقية بجانب استغلال مثلث الفقر والمرض والجهل، والتدخلات المتدثرة وراء القضايا الإنسانية والاغاثات، وأضاف قائلا إذا أخذنا السودان نموذجا لوجدنا كل الأشكال موجودة وقائمة،والمدهش في الأمر أنها تتعايش وتأكل من ذات الطبق دون أن تضر نفسها، بل إن الذباب يتكاثر على جثة هامدة لم يعد بها حراك على حد تعبيره، متسائلا لماذا هذا التكالب على بلد مطحون وممزق وبه انهيار اقتصادي ولا شيء فيه يغرى؟ متحسرا حينما تأتيك الإجابة بأنهم يعرفون الإمكانيات والقدرات لتلك الدولة أكثر من معرفة أبنائها بها، مرجحا أنه لهذا السبب يستمرون في التكالب عليها. النزعة والوصفات:
اعترف عبد الدائم أن هناك قصورا معرفيا داخل البلدان العربية والأفريقية بالقوى الاقتصادية الدولية سواء شرقية كالصين أو غربية كالولايات المتحدة الأمريكية، موضحا أن هناك غياب شبه كامل في الرؤية الإستراتيجية نحو القوى الدولية، مؤكدا أن هناك تشويش متعمد في دراسة الشخصية الغربية الطامحة والمستغلة وتحليل أدواتها في السيطرة على موارد الشعوب الأفريقية ومقدراتها، مرجحا أن هذا القصور يرجع إلى المدخلات الثقافية التي زرعها الغرب في عقول الشعوب الأفريقية العربية بمسمى الحداثة تارة والمدنية والتقدم تارة ثانية والإصلاح تارة ثالثة والتخلف والإقصاء تارة رابعة، موضحا أن النزعة الفردانية في الغرب ربما لا تصلح لمعالجة قضايا الشعوب الأفريقية، مشيرا مع ذلك تجد الوصفات الغربية لحل المشكلات هي الموجودة دائما على طاولة النقاش لتلك المشكلات، واعتبر أن تجارب أفريقيا والسودان تحديدا مع تلك التسويات الغربية طيلة فترة ما بعد الاستغلال وحتى اللحظة سيئة للغاية وأثبتت عدم نجاحها. منهجية المعالجة:قال عبد الدائم بطبيعة الحال تأخرت الدول النامية عن استدراك الموقف قبل استفحال أزماتها ومشاكلها لأسباب تتعلق بإشكاليات دولة ما بعد الاستقلال في أفريقيا وتبعيتها الاقتصادية للغرب وقلة مراكز الدراسات والبحوث التي لديها القدرة على إيجاد الحلول ومعالجة المشكلات، ولفت إلى أن المراكز الموجودة تسير على نفس نهج وتفكير المراكز الغربية في معالجة المشكلات الموجودة في الدول النامية، ودعا إلى ضرورة التركيز في المستقبل على التعليم والثقافة بالجوانب المعرفية بالغرب لمواجهته سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتخليص أفريقيا من هيمنته والتفوق عليه.