إبراهيم شقلاوي يكتب :السودان بين الحضور الدولي وغياب الارادة الوطنية..
الخرطوم :إبراهيم شقلاوي
أن السودان بحكم وجوده الاستراتيجي في قلب العالم العربي وأفريقيا وموقعه الجيوسياسي المميز المطل علي البحر الاحمر والقرن الافريقي واحتشاده بالموارد والثروات المكتنزة والأنهر دائمة الجريان والأراضي الممتدة والثروة الحيوانية والمعادن التي يتصدرها الذهب وغير ذلك من الثروات.. ومما لاشك فيه ان هذا الوضع الجغرافي المميز بجانب التدخلات الإقليمية قد جلب المتاعب للسودان وكرس الخلاف بين قياداته السياسية.. مما جعل التيه وعدم الاتفاق علي مشروع نهضوي مدروس يمثل السمة المميزة لهذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلادنا والتي اتسمت بعدم التوافق اوالإجماع علي روية مشتركة بين الفرقاء..
فقد كان من المأمول ان تكون هذه الأفضلية عاملا مهما في وحدة الهدف والمصرير .. فكما نعلم ان الجغرافية والموارد تمثلان عاملا مهما وثابتا في السياسة وتطور الاقتصاد لذلك تنشط الدبلوماسية الاقليمية والغربية لتحقيق استراتيجياتها دون الالتفات الي إستراتيجية السودان الوطنية الغائبة وسط هذا الخضم من الخلافات.. لذلك سيظل العالم يتدخل في الحل الداخلي للمحافظة على مصالحه الخاصة.
حسب المشهد السياسي الراهن المتصاعد والذي بلغ درجة مصادرة الارادة الوطنية.. يجعل من الأهمية الذهاب إلى توافق شامل بين ابنا الوطن قبل أن تنتقل البلاد نتيجة هذا الصراع الي مربع المواجهة التي تعصف باستقرار البلاد وتجعل الحل حينها بعيد المنال.. الملاحظ ان قيادات الأحزاب والفاعلين في المشد السياسي يبدون مرونة واراء جيدة تعزز التوافق وتدعوا الي تعجيل الحل ذلك في مواقفهم وتصربحاتهم الخاصة في الصالونات او وسائط التواصل الاجتماعي وهي مواقف تمتاز بالعقلانية والهدو وتفهم المالات المحتملة.. بينما مواقفهم الرسمية تبدو بغير ذلك تماما.. هذا في تقديري ينم عن التدخل الإقليمي الواضح في القرار السياسي الوطني وهذا ما يدعونا الي التأكيد على أهمية ضغط الجماهير المستنيرة التي بظهرها الواقع المعاش بأنها غير مهتمة وانها ماضية في معاشها رغم المعاناة التي يتسع فتقها كل يوم.. تبقى دور النخب السياسية و الأكاديمية التي تبدو هي الاخري منساقة تجاه همومها الخاصة دون تاثير او ابدا رأي يدفع بالعملية السياسية او يشكل ضغط علي الجميع.. فقد كثر الحديث عن المبادرات دون مبادرة من حكماء البلاد والاكاديميين الذين يثق فيهم الناس.. الذين ينظر لهم يترقب في اوقات المحن التي تمر بالشعوب.
ان تقاطع العوامل الاقتصادية والسياسية يفسر الي حد ما تاجيج الصراع واستمراريته فبلادنا تزخر بموارد هائلة تمثل احتياطي استراتيجي في جانب الثروات التي ينظر لها الجميع علي المستوي الإقليمي والدولي من زاوية المطامع في وجود التغييرات المناخية التي اعلنتها المنظمة الدولية وازمة الغذاء التي تجعل الجميع يدخلون دائرة التنافس لحيازتها هذا بالنظر الي موقع السودان الجغرافي المميز وامتداد سواحله علي البحر الاحمر الذي يمثل صراع النفوذ الإقليمي والدولي مظهر واضح المعالم في هذا التوقيت الذي يحتدم فيه الصراع ويبلغ ذروته..هذه المتغيرات تتلاقي الي حد كبير مع الدوافع التي تجعل جميع البلدان تتدافع للحفاظ علي مصالحها في المنطقة عن طريق السودان الذي يغيب فيه الاستقرار بسبب سقوط حكومة الإنقاذ التي كانت تجيد توازن المصالح وظلت تمتلك أدوات الصراع والكثير من الأوراق التي مكنتها لحد ما من الاستمرار ثلاثون عام دون استسلام .. الان السودان يمر بظروف بالغة التعقيد بعد مجي حكومة الثورة التي لم تستطيع النجاة من الاستقطاب الإقليمي بالرغم مما اعلنته في فاتحة برنامجها وخطابها السياسي مما خلق واقعا اشبه بالفوضى السياسية جعل من الصعوبة الوصول الي توافق سياسي بين الفاعلين يمكن من مضي العملية السياسية الي الإمام ممافتح الباب واسعا للتدخلات في الشأن الداخلي .. لذلك يظل تأكيد المراقبين ان هذا الوضع الخائر جلب كثير من المتاعب للسودان.. فقد شهدت الفترة الأخيرة وماتزال زيارات العديد من الدول عبر مدراء مخابراتها او وزراء خارجيتها فيما بات يصفه المراقبين بالهجمة الشرسة لحفظ المصالح واحداث التوزنات التي بدا من خلالها غياب الارادة الوطنية.
هذا التداعي المحموم يجب ان يدفع الشركاء السودانيين والنخب الفاعلة للمساهمة في عملية تحقيق الاستقرار من خلال دعم الاستقرار والتوافق السياسي لاجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يتطلع لها المواطن انطلاقا من تصور شامل يرتبط بإقامة نظام اقتصادي وطني غير مرتهن للخارج اذ ان الاعتبارات الاستراتيجية والأمنية تملي ضرورة رفع مستوي المسؤولية لإخراج البلاد من هذا الماذق الذي يحيطها يوم بعد يوم والذي يخشى ان يقودها الي الفوضي حيث لاينفع الندم بعد ذلك.. تظل ثقتنا في أبناء شعبنا وقياداتنا العسكرية والسياسية موفورة ما ان اجتهدوا في الوصول إلى مخرج من هذه الازمة التي ربما تعصف بامن واستقرار البلاد.. وحتى لايكون للحضور الدولي فاعلية اكثر من حلولنا الوطنية.