رأي

إبراهيم شقلاوي يكتب :المأمور والمفتش ورجل الشـار ع). هل يجدد المسرح دوره الوطني في ظل التداعيات السياسية

الخرطوم : ابراهيم شقلاوي

الاحتفال باليوم العالمي للمسرح والذي يصادف السابع والعشرين من شهر مارس من كل عام يعتبر احتفالا مهمآ بهذه المناسبة المميزة حيث يأتي تاكيدا علي دور والمسرح والمسرحيين في نشر الوعي المجتمعي وقيادة التغيير بجانب المساهمة تطوير الخطاب الثقافي الوطني.. لذلك الاحتفال باليوم العالمي للمسرح يعد خطوة مهمة نحو المزيد من العطاء و الدور والموقف للمبدعين في كافة القطاعات لمزيد من الانتاج المسرحي والدرامي والثقافي في جميع الجوانب .. لذلك توقعنا أن يأتي الاحتفال هذه المره بقدر الطموح الذي يعيشه الشعب السوداني في أهمية التغيير نحو الأفضل وان يستوعب تحديات المرحلة.. كذلك لابد من الوعي بالقضايا الوطنية التي يتجدد الان تحديدها لاشكال الاستعمار الحديث الذي بات يفرض وصايته علي كل ا شكال الحياة .. عليه لابد أن يظهر دور المسرح في الحياة العامة كعهدنا به في مناهضة أشكال الهيمنة الاستعمارية.. وان يقوم بدوره كما كان في السابق حيث ساهم في صناعة الاستقلال ومناهضة المستعمر الذي بات اليوم متحكما في القرار الوطني و في مفاصل الحياة.. مستقلا ضعف سلطة الدولة و غياب المشروع الوطني و رداءة الاوضاع الاقتصادية وعزوف كثير من المبدعين عن المبادرة.لذلك لابد أن نطرح سؤال مهمآ علي ضوء ذلك..هل يجدد المسرح دوره الوطني في ظل التداعيات السياسية الماثلة .. ام يظل غائبا وغير معني مايجري في الساحة السياسية الي أن تتجاوزه الأحداث.
لقد ظل المسرح السوداني مستخدم لتجسيد أفكار أساسية أو ظواهر إجتماعية تستهدف استثارة المشاهد فكان اول عمل اجتماعى سياسى هو مسرحية (المأمور والمفتش ورجل الشـار ع) 1919م . والتى تصور استبداد رجال الإدارة البريطانية بالمواطنين وخوف صغارهم من كبـارهم مما عرض (عبيد عبد النور) مؤلف ومخرج المسرحية للمساءلة القانونية.. هذا يؤكد أن النشاط المسرحي ظل يقوم بدور مؤثر في كسـر العزلـة السياسية واعلاء الإرادة الوطنية وخلق صورة عامرة بالبطولات والأمجاد والانتصارات التى يتطلع إليها الشعب السوداني بقوة تحت وطأة الاستعمار المتجددة الساعية لفصل الشعب عن عن ما ضيه وواقعه ومستقبله.. فكان نشاط الأندية الثقافية الذى قاده نادى الخريجين بأمدرمان الذي ضم كافة قطاعات الشـعب المثقـف حيث بدأت تقدم الاعمال التاريخية والبطولات مثـل (صـلاح الـدين الأيـوب ) و (عطيل) فى محاولة لربط النشاط الفنى المسرحى بالقضايا السياسية وقضايا المجتمع .لذلك لابد أن يعبر المسرح عن الطموح والتطلعات الاجتماعية السياسية التى تجيش فى صدور الجماهير المتعطشـة للتغيير الوطني واصلاح الواقع المعاش و بناء النسيج الاجتماعى وتوحيد اللحمة الوطنية وتجاوز الاثنيات والعرقيـات وهذا ما انتبه له جيل الرواد من المسرحيين السودانيين حينما تمردوا على رؤية المستعمر المفرقة لأبناء الوطن الواحد وقد كانت مسرحية (المك نمـر) لابـراهيم العبـادى نموذج من نماذج نبذ العصبية والجهوية والانتماء القبلى .. حيث كانت تعتمد الى تقديم صورة واقعية وكاملة للحياة اليومية بكل جوانبها الاقتصادية والسياسـية والاجتماعية للمجتمع السودانى وتمثل صدى للافكار والمشاعر والرغبات فـى توحيـد الامة لغاية محاربة الدخيل المتمثل فى الحكم الثنائى الإنجليزى المصرى في تلك الفترة التي تتجدد الان في ثوبا جديد.. تلك الرغبـة التى اوجزها العبادى فى ختام المسرحية بقوله على لسان النصيح احد شخوص المسرحية : يـاروس القبائل انتو تحيو تعيشو.. وجناح العرب بيكم يهيهب ريشو .. نحن عرب اصال فى جدودنا عالية إنسابنا.. ضرانا الخلاف بى سيوفنا نغنى رقابنا.. ياروس العرب بالدرية لم عقابنا.. نبقى ولاد رجل الغير يعملوا حسابنا.. جعلى ودنقلاوى وشايقى ايش فايدانى.. غير خلقت خلاف خلت اخوى عادانى.. خلو نبان يسرى مع البعيد والدانى يكفى النيل ابونا والجنس سودانى.. هذا يدل على إنتباه النخب السودانية المبكر لما يفرق الأمة ولـم يكن هذا المنهج قاصرا على العبادى فحسب بل كا نت هذه الروح ثشمل جميع مثقفى ذلك العصر.
فى ظل هذه المعطيات صنع واقع المسرح فى أهم مراحل تطوره وقـد شـهدت الفترة اتساع رقعة المسرح كفن له جمهوره ومحبوه خلال تاريخ المسرح في السودان وهذا مازاد انفعال جمهور المسرح خلال تلك الفترة إذ أنه ناقش العديد من القضايا الاجتماعيـة والسياسية عبر الاسقاطات غير المباشرة على الواقع ورمزية الصورة الفنية والـدلالات المعبرة والتى كان لها بالغ الاثر فى أحداث التحول نحو الرسالة السياسية غير المباشـرة التى تعى دورها فى ربط النسيج الاجتماعى للوطن الواحد والتي نحتاجها هذه الأيام بشدة في ظل تداعيات الخلاف السياسي بين الاحزاب وصعود الخطاب الاثني والمناطقي بجانب التدخل في السيادة الوطنية. لاشك ان تاريخ المسرح في السودان حافلا بتبني الاطروحات المعبرة عن قضايا الجماهير ووحدة المصير .. جميعنا نذكر حصان البياحة والكرباج ونبتة حبيبتي وغير من المسرحيات التي حملت فكرة الوطنية ومناهضة الأجندة الخارجية.. ذلك يدعو للتاكيد على أن الحراك المسرحى فى هذه الفترة مطلوبا بما يتناسب والدور المنوط بالمثقفين الذين يعبرون عن طموحات الجماهير فى اصلاح واقع المجتمع السياسى والاجتماعى بالرغم من اختلاف وجهات النظر في عملية الإصلاح السياسي لكن لابد من أن يتوحد الجميع حول فكرة الوطن الذي بات الان مهددا في وحدته وسلامة اهله..لذلك لابد من النهوض العاجل وسط المسرحيين فى مواصلة جهودهم واسـتمرار العطاء وقد استطاعوا أن يساهموا بقدر كبير فى حراك جيد اجتـزب جمهـور المسـرح للعروض التى كانت تقدم حول أهمية الوحدة الوطنية ونبز الخلافات خلال جميع الفترات التي شهدت تطور المسرح فى السودان.
هنـاك هامش جيد يمكن ان نشطت فيه العروض المسرحية عبر المؤسسة الرسمية للدولة او عبر المؤسسات الثقافيـة المعبرة عن سلطة الجماهير والتي بإمكانها دعم المبدعين.. وتحفيزهم.. لذلك يظل الشعب السوداني متطلعا لحضور العقلية الابداعية لرواد المسرح فى جميع المجـالات من كتابة نص وإخراج وأداء تمثيلى ونجوم حاضرين بكل امكا ناتهم الفنية حيث يجب أن يتم إثراء للساحة الثقافية خلال هذه الفترة بأعمال جيدة يجب ان يتميز بها المسرح فى السودان من عبر استدعاء تلك الفترات النضرة التي شهدت صعود عدد من النجوم أمثال مكي سنادة و الفاضل سعيد وتور الجر ومصطفي احمد الخليفة وعلي مهدي وعبد الحكيم الطاهر والعديد من نجوم المسرح والدراما و الفرق المسرحية التى ساهمت بصورة فاعلة فى العروض المسرحية المؤثرة في أحداث التغيير .
لذلك نجدد الحرص علـى أهمية ايجاد نو ع من التوازن بين الأفكار المطروحة من خلال الساحة السياسية والتى تتاثر ضمنا بالحركة الثقافية التى يعد المسرح أحد أهم وجوههـا التعبيريـة حيث ان هذه التوفيقية تعتبر ضرورة لاحداث التوازن وذلك سمة من سـمات الدور المهم الذي يجب أن يقوم به المثقفين.. باعتبار ان ادوات الثقافة ماتزال متاحة ويمكننا ان نجعـل منهـا ادوات لخدمة مشروع لوحدة الوطن بعيدا الاستقطاب السياسي حرصا علـى الاستمرارية فى الدور الوطني المناط بالنخب المثقفين وفقا لجميع المعادلات التى تحكم هذه الروية بعيدا عن اتخاذ الاحـزاب السياسية ادوات صراع.. فهذا يجب ان ينسجم مع دور النظم العسكرية فى الحياة السياسية وأثر ذلك على المشهد الثقافى بكل تمثلاته حيث يجعل آليات العمل الابداعى تعمل وفقا لواقع الشراكة السياسية مع العسكريين التي فرضها واقع الحال .. لذلك يجب أن نبحث عن توليفة في هذه المرحلة لنضمن تعاون الجميع.. يظل بموجبها دور العسكريين فى الحياة السياسـية والثقافية دورا داعما دون انتقاد للعسكريين اوتدخلهم فى الشئون السياسية بل يجب في هذه المرحلة تجاوز الحديث الذي ظل يصف العسكريين بالجمود والدكتاتورية وعدم قبول الـرأى الآخـر وضيق الأفق وعدم إشراك الآخر فيما يهم مصلحة البلاد وهذه المفردات ربما ما يصـلنا فى الآخر إلى تجريد العسكريين من كل مقومات الوطنية أو الحرص على مصلحة الوطن وهذا فى رأي غير صحيح فالعسكريون هم أولا واخيرا هم أبناء هذا الوطن يدافعون عنه بحكم الانتماء والمهنية فيجب أن نعرف أولا إلى العسكرية تعريفات جديدة تدعونا إلى تنظيم الفكرة والرؤية والاتفاق على المفهوم إذا كان المعيار الذى نأخذ به ذلك هو معيار الوطنية ونحن عادة ما نصف النظام العسكرى وفقا لمعايير معينة تتصل بكيفية تأسيسه أو القوى التـي أدت إلى سيادته أو الأسلوب الذي يمارس به السلطة وبإنتماءاته ولابد هنا من الإشارة إلى أن هذه المعايير ليست منفصلة تماما عن بعضها وبالتالى فإن وصف أحد النظم السياسية بوصف ما لايمنع بالضرورة من ان يوصف وصفا آخر يكون هـو الاخـر منطبقـا أو صحيحا. فإن الانظمة السياسية التي مرت علي بلادنا وشهد خلالها المسرح تطورات ملحوظات في بدايات عهد هذا الانظمة شهدت قربا وبعدا من قضايا المسرح وهذا خلال فترات الحكم الشمولي الذي لا ينطبق عليه واقعنا الان لذلك مـن الطبيعي أن تكون هذه هي معبرة عن حال النظم السياسية التي تصل إلـى السـلطة في المراحل الأولى لتوليها السلطة تكون منفتحه تاركه المجال للعمل الثقافي والابداع دون قيود كما أن ذلك قد يحدث لنظام سياسي مدني لم يصل إلى السلطة عن طريق القوات المسلحة ولكنه يستخدم القوات المسلحة كشـريك فى العمل السياسي لفرض سيطرته وإسكات المعارضة ضـده وهـذا مـا يجعـل مـن الصعوبة التمييز بين النظم السياسية التى تعتمد إعتمادﹰا مباشرا على القوات المسلحة فـى الشكل الإنقلابي المسيطر على المشهد السياسى والثقافى وبين أخرى تعتمد على القـوات المسلحة فى السند السياسى كشريك داعم للبقاء فى السلطة السياسية وبالتالى يكون لاعبـا أساسيا في الساحة السياسية والثقافية ويستطيع السيطرة على جميع ادوات العمل الثقـافى لخدمة قضاياه الجوهرية والتى عبرها يضمن المشروعية ويعمل علـى الاسـتمرار فـى السلطة ولا يكون فى مثل هذه الأحول للمثقف بدﹰلا مـن أن يتعامـل مـع هـذا الواقـع المفروض بل يذهب إلى أبعد من ذلك ينظر لهذا الواقع ويتعامل معه ويدعمـه ويعطيـه مشروعية البقاء والإستمرارية.. الان الواقع يتسامي بنا عن كل ذلك في ظل وطن تتجازبه الاحلاف الدولية وتهدد سيادة الوطنية.
عليه ننتظر ان ينهض أبناء السودان جميعا للتعبير عن أهمية وحدة وسيادته الوطنية وإشاعة الوعي بين الناس لأجل بلاد آمنة مطمئنة تبني بجهد ابناؤها المخلصين ..هل بالإمكان ان نشهد مسرح الشارع من جديد.. هل بالإمكان ان يجوب المسرح الطرقات لإيصال رسالة الوحدة و التضامن لأجل السودان هل بالإمكان ان يتصدر المسرح المشهد الثقافي المستنير المساهمة في رفع وعي الجماهير من أجل دعم المشروع الوطني النهضوي .
ارجو ذلك.. انها دعوا تستشعر المسؤلية لدي الجميع دون عزل لاحد لأي سبب كان.. فالنبادر قبل ضياع البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى