رأي

عبدالقادر جاز يكتب :تأجيج الحروب الإقليمية… بين تكتيك المحاور وصراع الموارد..

تقرير: عبد القادر جاز..
أصبحت الحروب والصراعات تدار عبر لغة تقاطع المصالح الإقليمية والدولية تحقيقا للمطامع على واقع الأحداث الدائرة في القارة الأفريقية، السؤال الذي يطرح نفسه إلى أي مدى يمكن أن تكون المحاور الإقليمية بيادق بيد الأقوياء لرسم خارطة قوة جديدة أم أن هناك جانب خفي من صراع الأقوياء.. وقس على ذلك المجموعة الاقتصادية بريكس وما يترتب عليها من تداعيات مستقبلية؟ وأين موقف المنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية والدبلوماسية لأجل تذويب الخلافات وبناء السلام بين الشعوب…
التغذية والتقاطعات: قال د.بدر شافعي أستاذ الدراسات الأفريقية والخبير في تسوية الصراعات إن الحروب والصراعات الدائرة في القارة الأفريقية الداخلية نتيجة للانقلابات العسكرية، ووجود جماعات تسعى للحصول على حقوقها أو تسعى للإنفصال، معتبراً أن لهذه الصراعات أبعاد داخلية تغذيها أطراف إقليمية أو دولية تتقاطع المصالح فيما بينها، مبيناً أن ذلك يساعد في زيادة الصراع ودعم الأطراف المتنازعة وفقاً لتوجهات المحاور الإقليمية أو الدولية، مشيراً في هذا الصدد بوجد صراع داخلي دون أبعاد إقليمية أو دولية، وأضاف أن القارة الأفريقية لديها صراعات، على سبيل المثال: تدخلات دول إقليمية كثيرة في ليبيا، وتقاطعات الدول نفسها في الشرق والغرب، لافتاً إلى أن الأمثلة في هذا الإطار كثيرة منها ما هو متعلق بصراع التغذية الإقليمية والدولية بعيداً عن التسوية وتأجيجا لتلك الصراعات.تقوية النفوذ: أوضح بدر أن المحاور الإقليمية تقوم على أساس دعم الطرف القوي الذي يسعى إلى تقوية نفوذه في الإقليم المعني بها، على سبيل المثال: لدينا دول نافذة ودول قيادية في بعض الإقليم كنيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر وأثيوبيا في فترة من الفترات السابقة، مؤكداً أن نفوذ هذه الدول ربما يزيد أو تقوى بحسب الأوضاع الداخلية، ورؤيتها السياسية، مثالاً لذلك نيجيريا في عهد الرئيس بابنجيتا في الثمانينيات والتسعينيات يسعى إلى لعب دور معين في غرب أفريقيا من خلال تدخلاته في الحرب الأهلية في ليبيريا، معتبراً أن واحدة من الإشكاليات وجود محاور إقليمية تتم عملية التنازع فيما بينهم ما يقود إلى حدوث قلق وتوترات في الإقليم، موضحاً أن هذا النوع يوجد في غرب أفريقيا في دولتي نيجيريا وساحل العاج ودولة بوركينافاسو، مما أحدث نوعاً من الصراع ما بين الدول على الإقليم، وانعكس على عملية التسوية من خلال إي كواس في غرب أفريقيا، مؤكداً أن المنظمات الإنسانية الدولية تقوم على أساس تقديم المساعدات الإنسانية وليس لها دور في خلق الصراعات والنزاعات ما بين الدول، مضيفاً أن المنظمات لها دور فاعل أثناء الصراع وبعده في كيفية بناء السلام وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم. المعاملة بالمثل:
أكدت الأستاذة رانيا عمر الصحفية والناشطة الحقوقية أن الحرب لا تعد بالضرورة احتلالا أو قتلا أو إبادة جماعية بقدر إنها نتيجة للعنف الممارس وفقاً لطبيعة المعاملة بالمثل، موضحة أن الحرب لها كيان ثقافي وممارسته ليست بالضرورة مرتبطة بأي تنظيم سياسي أو مجتمعي، على سبيل المثال: يرى جون كيغان أن الحرب ظاهرة عالمية، وشكلها ونطاقها يحدده المجتمع الذي يقوم بها، مستطردة بقولها: إن الحرب تمتد عبر سلسلة متصلة من الحروب القبلية وشبه العالمية والتي بدأت قبل التاريخ المسجل للإنسان، ثم إلى حروب المدن والأمم والإمبراطوريات القديمة، مشيرة إلى أن الحرب العسكرية تقع ما بين مجموعة من المقاتلين في مسرح واحد أو أكثر من مسارح مختلفة، وليست مقتصرة على القتال فحسب، بجانب الاستخبارات وتحركات القوات والإمدادات والدعاية وغيرها، موضحة أن هناك فترة من الصراع الضاري المستمر تسمى تقليديا بالمعركة، مع أن هذه المصطلحات لا تنطبق على النزاعات التي تشمل الطائرات والصواريخ والقنابل وحدها في ظل غياب القوات البرية أو البحرية، مغرة بأن الحرب لا تقتصر على الجنس البشري وحده، وتنخرط فيها أسراب النمل والطيور وقطيع الشمبانزي في صراعات وحروب داخلية فيما بينهم.
هيكلة النظام :أوضحت رانيا أن الحروب العالمية إنتقلت إلى مراحل متقدمة ومنافسات تقليدية بين المطامع العاجلة والرغبة القوية في التهام خيرات أفريقيا بهيكلة نظام تشريعي وقانون جديد لإرساء روح التنافس القوي على الموارد، منوهة أن ذلك قاد إلى قيام انتفاضات خرجت على نظام المستعمر على سبيل المثال: ما حدث في النيجر وبوكينافاسو وروندا والتي اندلعت فيها أعمال عنف راح ضحيتها مليون شخص، كشفت عن ميزة الموقع الاستراتيجي للقارة الأفريقية وهو الذي جعلها قبلة للمطامع الغربية بتدخلاتهم المباشرة لإدارة الدول بواسطة التدخل العسكري، والتحكم بعجلة الاقتصاد بما تقتضيه مصالحها في المنطقة، مستشهدة بأن الفترة الأخيرة سادت سياسة آلية الرقابة على الاقتصاد الأفريقي الذي يموله صندوق النقد الدولي ما انعكس سلباً على تدهور الاقتصاد في دول العالم الثالث من خلال انخفاض سعر الصادرات، وارتفاع سعر الورادات، لافتة إلى أن ذلك يعود إلى اختراع صناعات بديلة مثالا لها الألياف الزجاجية التي حلت محل النحاس، معتبرة أن المواد الخام أصبحت رهنا استراتيجيا للدول الأفريقية المصدرة، ولم تعد مؤثرة في ظل الصناعات الكبرى.
انعدام القوة: أكدت رانيا أن تغيير موازين القوى من زمن لآخر، فقد كان الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على رأس إدارة العالم، وبعد تفكيك الاتحاد السوفيتي أصبحت الكفة مرجحة لصالح أمريكا التي أصبحت قوى عظمى، منبهة أن بوادر التنين الصيني بدأت تلوح في الأفق، والاتحاد الأوربي، وبعض الدول العظمي، مشيرة إلى أن ذلك يترتب عليه مصالح الدول المشتركة فيما بينها خاصة الدول الأفريقية وفقاً للتبعية السياسية وسط تغير في شكل التكتلات الإقليمية بما تقتضيه المرحلة، متسائلة أين نحن كدول عربية وأفريقية من هذه التجمعات والتكتلات الاقتصادية ؟ معربة عن بالغ أسفها بأن الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ليس لديهم أية قوة على الرغم من أنهم أصحاب موارد طبيعية يقوم عليها اقتصاد الدول العظمى!!!
قهقرة الاوضاع:أوضحت رانيا أن مفهوم منع حدوث النزاعات وفقا للأمم المتحدة هو أكثر الوسائل فاعلية في الحد من المعاناة الإنسانية في ظل النزاعات وما يترتب عليها من كلفة اقتصادية هائلة، فضلاً عن عواقبها على كل مجالات الحياة، مبينة أن المنظمات الدولية تضطلع بأدوار كبيرة في منع نشوب الصراعات باستخدام الدبلوماسية والمساعي الحميدة، والوساطة وغيرها، معتبرة أن أهم ما يميز المنظمات الدولية المساهمة في نشر ثقافة السلام التوعية بمخاطر الحروب من النواحي الإنسانية، وتداعيات الأوضاع التي تنعكس سلباً على الشعوب من التقهقر في الأوضاع الصحية، والمجاعات والنزوح والتشريد، مستشهدة بتصريحات السيدة روزلين أكومبي المسؤولة في إدارة الأمم المتحدة للشئون السياسية وبناء السلام والتي قالت:” إن الدول الأعضاء عندما وقعت ميثاق الأمم المتحدة قبل (75) عاماً كانت تهدف إلى” إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب” من خلال منع نشوب الصراعات، مؤكدة أن هذا الهدف سيظل صاحب أولوية قصوى بالنسبة للمنظمة الدولية منذ نشأتها، مشيرة في هذا الخصوص إلى مقولة السيد أنطونيو غوتيريش الذي يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة بقوله: ” إن الجهود الرامية إلى بناء السلام والحفاظ عليه ضرورية ليس فقط عندما يندلع النزاع، بل وقبل ذلك بوقت طويل من نشوبه، ومعالجة أسبابه الجذرية، مرجحة أنه لا مجال لإشعال الحروب من قبل المنظمات الإنسانية والحقوقية.
الالتزامات و المشروع:
قالت رانيا إن الدبلوماسية ليست مجرد ممارسة، أو مسألة عدد الفاعلين المعنيين، ووصفتها بأنها التزام بمشروع سياسي مشترك يقوم على أساس احترام المعايير والقيم على وجه الخصوص، مبينة أن الدبلوماسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمبادئ التأسيسية، وتحديد عملها من خلال قواعد متطورة بشكل جماعي يضمن تعاوناً مستداما وأفعالا على وجه الخصوص، مؤكدة أن الدبلوماسية هي التي تضمن لجميع الجهات الفاعلة نفس الحقوق والالتزامات من خلال تطبيقها باستمرار واعتمادها على القضية التي يتم تناولها في كل المجتمعات الدولية والاقليمية، معتبرة أن تعددية الأطراف واحدة من طرق وأشكال تنظيم النظام الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى