فريد منجا مكي يكتب :تحت رايات كاذبة الحركة الشعبية وميليشيا الدعم السريع وتجويع المدنيين في الفاشر وجنوب كردفان

بقلم:فريد منجا مكي
حين تتحوّل الحقوق إلى أدوات قمع
في كل مرة تُرفع فيها راية الحقوق والعدالة والتحرير في السودان، لا بد أن نتسائل عن الثمن الحقيقي الذي يدفعه المواطن البسيط مقابل تلك الشعارات. ففي مناطق الفاشر وجنوب كردفان، لم يعد الصراع محصورا بين الأطراف المسلحة، بل انتقل ليصبح معركة ضد المدنيين الأبرياء، حيث يُستخدم سلاح التجويع والحصار كوسيلة لإخضاع السكان وتركيع المجتمعات للنزوح والخروج من مدنهم وقراهم
ما تمارسه الحركة الشعبية لتحرير السودان وميليشيا الدعم السريع من حصار وتدوين عشوائي للفاشر، وتقييد لحركة الغذاء والدواء في جنوب كردفان، هو أبشع صور التوظيف السياسي لمعاناة الناس، وتحويلهم من ضحايا إلى أوراق ضغط.
تجويع المدنيين… جريمة حرب موثقة
ليس ما يحدث في الفاشر وجنوب كردفان مجرد إخفاقات ميدانية أو أخطاء عابرة، بل هو نمط منهجي متكرر يرقى إلى جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، وتحديدا:
المادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني: تمنع منع الطعام والماء عن السكان المدنيين في النزاعات غير الدولية.
إن منع وصول المساعدات الإنسانية واستهداف الأسواق، وإغلاق الطرق المؤدية للمناطق المتضررة، لا يختلف عن القتل المباشر، بل هو قتل بطيء يتوارى خلف تكتيكات عسكرية لا يقرّها أي عرف أو قانون.
التناقض الفاضح بين الخطاب والممارسة
تستمر هذه الأطراف في استخدام مفردات مثل العدالة”، و”التحرير و”الدفاع عن المهمّشين”، لكنها تمارس على الأرض كل ما يناقض هذه المبادئ:
تُمنع عن المدنيين المساعدات باسم الضرورة الحربية “.
يُجوع الأبرياء بحجة تجفيف مصادر دعم العدو.
تُستخدم المعاناة لأجل تحقيق أكبر مكاسب سياسية.
أي عدالة تُرتكب على حساب الأطفال الجوعى؟ وأي تحرير يبدأ بإغلاق مخازن الغذاء
هذه الممارسات تُظهر أن تلك الجماعات لا تختلف – في الجوهر – عن الأنظمة التي حاربتها، بل تتفوق عليها في توظيف المعاناة الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية ضيقة.
الشريعة تُدينهم بلا تردد
جاءت الشريعة الإسلامية لتكريم الإنسان، ورفع الظلم عنه، وحماية الضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، النسل، والمال.
وما يُرتكب اليوم في الفاشر وجنوب كردفان هو اعتداء مباشر على النفس والرزق والكرامة.
قال الله تعالى:
{ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق}
وقال النبي ﷺ:
“في كل كبد رطبة أجر”
وقال أيضا:
اطعموا الجائع وفكوا العاني
فهل بعد ذلك يجوز أن يُجوّع الإنسان، ويُحاصر، ويُمنع عنه الدواء باسم التحرير أو النضال
إن من يحاصر المدن ويقطع أرزاق أهلها لا يحمل مشروعًا أخلاقيا ولا دينا يُحتذى، بل يمارس صورة من صور العدوان والفساد في الأرض
المجتمع الدولي… صمت مريب ومسؤولية مشتركة
رغم وضوح الانتهاكات، فإن ردود أفعال المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية ظلت خجولة ومتأخرة، وتفتقر إلى الفعل الحازم.
ومع أن القانون الدولي يحمل الجماعات المسلحة مسؤولية جنائية فردية وفق نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية (1998)، إلا أن غياب الإرادة السياسية في ملاحقة الجناة يفتح الباب واسعا لاستمرار الانتهاكات.
ولا بد من التذكير أن الصمت في مثل هذه الحالات يُعد تواطؤا ضمنيا، ويبعث برسائل خطيرة مفادها أن المساءلة انتقائية والعدالة غير متساوية.
إلى من يتحدثون باسم الشعوب
إذا كانت الحركة الشعبية وميليشيا الدعم السريع يزعمون تمثيل المهمّشين فإن أول ما يُنتظر منهم هو ضمان الحد الأدنى من الحياة الكريمة لهم، لا تجويعهم وخنقهم حتى الموت.
وإذا كان التحرير يبدأ بإذلال الناس، فبئس هذا “التحرير”، وإن كانت الحقوق تُنتهك باسم الدفاع عنها، فهي أكذوبة مفضوحة.
على من يتحدث باسم الشعب أن يحمي حياته لا أن يفاوض بها، وأن يُراكم المكتسبات لا المآسي، وأن يُحرج خصمه بالأخلاق لا بالجرائم.
دعوة لوقفة ضمير
آن الأوان لكل وطني غيور، ولكل جهة مدنية أو دينية أو حقوقية، أن تكسر جدار الصمت، وتقول لمليشيا التمرد وداعميها المحليين ورعاتهاالاقيليمين والدوليين:
لا لقتل الأطفال جوعا لا لقتل النساء والعجزة بفقدان الغذاء والدواء*
وندعو المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية، والإعلام الحر، إلى فضح هذه الممارسات وتجريمها صراحة، والعمل العاجل لفتح الممرات الإنسانية ورفع الحصار فوراً.
فالجوع ليس سلاحا،
والمدنيون ليسوا أدوات تفاوض،
والكرامة لا تُصنع على جثث الأبرياء.



