فريد منجا مكي يكتب: الحركة الشعبية شمال فقدان البوصلة قراءة نقدية في أداء الحركة

بقلم: فريد منجا مكي
منذ نشأتها، شكلت الحركة الشعبية لتحرير السودان أملاً لكثير من المهمّشين في السودان، خصوصًا في جبال النوبة، باعتبارها تجسيدًا لحلم التحرر من الظلم العرقي والتنموي. لكن مع مرور السنوات، أضاعت الحركة البوصلة، وابتعدت عن وجدان القاعدة الشعبية التي ادّعت تمثيلها، لتغرق في تحالفات مشبوهة، وخيارات سياسية منبتّة الصلة بتاريخ النضال المحلي.
أولًا: بين الطموح الشعبي والقيادة المنعزلة
ارتبط اسم الحركة الشعبية شمال بمطالب سكان جبال النوبة . لكن مع الوقت، تحوّل المشروع التحرري إلى رؤية فردية مغلقة يفرضها عبد العزيز الحلو دون الرجوع إلى مؤسسات حقيقية أو مشاركة مجتمعية واسعة. لقد صودرت إرادة الناس لصالح مشروع “علماني صارم” لم يُناقش مع المجتمعات المحلية، بل فُرض فرضًا.
ثانيًا: التحالف مع العدو التاريخي… سقوط أخلاقي مدوٍّ من أكثر التحولات فداحة في مسيرة الحركة، تحالفها (الصامت أو الضمني) مع قوات الدعم السريع – وهي القوات التي لعبت دور الجلاد في معاناة شعب جبال النوبة لعقود.
إن قوات الدعم السريع، التي خرجت من رحم مليشيات الجنجويد سيئة الصيت، ارتكبت انتهاكات موثقة بحق المدنيين في جنوب كردفان ودارفور، وكانت رأس الحربة في القتل، والتشريد، والاغتصاب الجماعي، وحرق القرى.
إن تحالف الحلو مع هذا العدو التاريخي يُعدّ طعنة في ظهر كل من قاتل بشرف، وكل من فقد عزيزًا على يد تلك القوات.
إنه سقوط أخلاقي وسياسي لا يمكن تبريره بالبراغماتية أو ضرورات المرحلة.
فمن يضع يده في يد من قتل شعبه واغتصب نساءه، لا يمكنه الادعاء بأنه يحمل مشروع تحرر وطني.
ثالثًا: انسداد الأفق السياسي
لم تنخرط الحركة بجدية في بناء تحالف وطني شامل يعالج جذور الأزمة السودانية، بل استمرت في خطابات فوقية، وتفاوضات معزولة، دون تفويض من القاعدة، ودون شفافية. والنتيجة: عزلة داخلية، وريبة خارجية، وغياب تام للرؤية الواقعية.
رابعًا: غياب الديمقراطية داخل الحركة
تبدو الحركة اليوم كأنها تنظيم فردي، يُدار من أعلى دون مؤسسات حقيقية. لا مؤتمرات دورية، ولا تقييم للأداء، ولا مشاركة فاعلة من القادة الميدانيين والمجتمع. هذا الانغلاق ينتج عنه جمود فكري، وانفصال تام عن التحولات الجارية في السودان.
خاتمة: هل تعود البوصلة إلى يد الشعب
لقد فقدت الحركة الشعبية – شمال موقعها الأخلاقي والسياسي حين اختارت التحالف مع العدو التاريخي لشعبها، وتخلّت عن مبادئ التحرر من التهميش، وقررت خوض معارك نخبوية بعيدة عن نبض المجتمع.
شعب جبال النوبة لا يحتاج إلى خطاب علماني معزول، ولا إلى تحالفات انتهازية، بل إلى قيادة نزيهة، نابعة من الأرض، تستمد شرعيتها من الناس، لا من البنادق ولا من العواصم الأجنبية.
وإذا لم تراجع الحركة خياراتها، وتصحح مسارها، فإن التاريخ لن يغفر لها، ولن يمنحها فرصة أخرى لتتحدث باسم من خانتهم في لحظة مفصلية.وطن-آمن-مستقر



