فريد منجا مكي يكتب :الفاشر ستنهض من رمادها… والوطن لا يُهزم

بقلم :فريد منجا مكي
في لحظات التاريخ المفصلية، قد تترنح المدن، لكنها لا تسقط في وجدان الأحرار. قد تُحاصر الفاشر اليوم، لكنها لن تنكسر، لأن في قلب كل سودانيٍ وطنيٍّ نبضًا لا يعرف الهزيمة، وصوتًا يردد بثقة: ما سقطت مدينة إلا لتنهض من جديد، أشدّ عزماً وأقوى إرادة.لقد ظنّ من حمل السلاح على الدولة والشعب أن السيطرة على الأرض تعني انتصارًا، ونسوا أن الشعوب هي التي تملك الروح، وأن الروح لا تُحتل. كم من مواقع سقطت ثم عادت إلى حضن الوطن، وبقي السودان واقفًا، شامخًا، عصيًّا على الانكسار.
ومن ينسى يوم دُحرت مليشيا الدعم السريع من الجزيرة وسنجة وجبل موية والخرطوم؟ كانت تلك الأيام درسًا بليغًا في أن قوة الإرادة الوطنية تتفوّق على كل آلة عسكرية مأجورة، وأن الشعب حين يلتفّ حول جيشه، يصبح المستحيل ممكنًا، وتتحول المعاناة إلى نصر مؤجل.
لكن الموجة الأخيرة من الأحداث في الفاشر كشفت – مجددًا – أن المعركة ليست فقط مع مليشيا خارجة عن القانون، بل أيضًا مع قوى خارجية تسعى لفرض واقع سياسي مشوَّه عبر الضغط والتضليل. فالرباعية الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ما زالت تمارس ضغوطًا غير مبررة على الحكومة الوطنية لقبول تسويات هشة، في وقتٍ يحتاج فيه السودان إلى موقفٍ دوليٍّ عادل، لا إلى وصايةٍ جديدة.
التصريحات الأخيرة للمبعوث الأمريكي مسعد بولس لم تكن إلا امتدادًا لتلك المقاربة المنحازة، التي تتجاهل جرائم مليشيا الدعم السريع في دارفور والخرطوم والجزيرة، وتتعامل مع المعتدي والضحية بميزان واحد. فكيف يُطلب من شعب يُذبح ويُهجّر أن يجلس على طاولة تفاوض مع من يحرق قراه ويهدم مدنه؟
وفي المقابل، جاء تأكيد القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان واضحًا وحازمًا بأن لا تفاوض قبل أن ترضخ المليشيات لشروط الحكومة الشرعية، المتمثلة في الخروج الكامل من الأعيان المدنية، ووقف عمليات ترويع المواطنين، والكفّ عن تدمير الممتلكات العامة كمحطات الكهرباء والمطارات والبنى التحتية الحيوية. وهو موقف يجسد سيادة الدولة وكرامة الوطن، ويرسم خطًا فاصلاً بين من يسعى للسلام العادل، ومن يتاجر بمعاناة الشعب.
إن ممارسات دويلة الشرّ التي تدعم هذا التمرد بالسلاح والمال، لن تغيّر حقيقة أن السودان سيبقى موحدًا، وأن قراره الوطني لن يُؤخذ من الخارج. فما بُني على الباطل لن يصمد أمام صلابة هذا الشعب، وما دُفع إليه من مؤامرات سيذوب أمام حرارة الإيمان بالوطن وعدالة القضية.
الفاشر اليوم ليست نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة من الوعي والمقاومة. أبناء دارفور الذين ذاقوا مرارة الحرب، هم أنفسهم الذين سيصنعون السلام العادل، وسيرفعون راية السودان من جديد على أسوار مدينتهم، لأنهم ببساطة أبناء هذه الأرض التي لا تُغلب.
يا أبناء السودان في الشرق والغرب والشمال والجنوب، إن الواجب اليوم أن نتماسك أكثر، أن نرفع الصوت بالحق، وأن نعي أن المعركة ليست جغرافية فقط، بل معركة وعي وسيادة وكرامة. فلنستمدّ من صبر الأمهات قوة، ومن دماء الشهداء عزيمة، ومن تاريخنا الطويل دروسًا في الثبات.
لقد علمتنا التجارب أن السودان قد يمرض، لكنه لا يموت؛ وقد يتعثر، لكنه لا يُهزم.
ولأننا أبناء هذا الوطن، سنبقى نرددها بكل يقين:إن الفاشر ستعود اقوى مماكانت والسودان باقٍ….. والنصر قادم بإذن الله.



